سافرت الى أغلب البلدان عربية، وتجولت في أسواقها، وقصدت أجمل […]

سافرت الى أغلب البلدان عربية، وتجولت في أسواقها، وقصدت أجمل الاماكن والفنادق والحدائق فيها، وكذلك تداعيت في أماكن الفقراء وعامتها..وجلست الى كثير من الوجوه الراقية ، والوجوه الحالمة البسيطة المتداعية أيضا.. لا أتذكر اني استمعت طيلة اقامتي أو تِجوالي فيها، الى كلمة نابية، او جرحتْ مسامعي الفاظ فاحشة، أو هزّ حواسي سلوك مُشين او تصرفات فيها انحطاط أخلاقي، وقلة حياء.. وكنت دائما اردد في قرارة نفسي متألما:
– لماذا هؤلاء الناس وهم عرب مسلمون مثلنا، أفضل منا سلوكا، وأقلّ تهورا وانحرافا ..؟
– لماذا كلما مشينا على الرصيف في أي مكان من مدننا التونسية ، لا نستمع الا الى الشتيمة ، وكلام جارح لا يتحاوز النصف الاسفل من الجسد ، وسبّ الجلالة ايضا في اوقات الغضب ، وحتى في اوقات النكتة ، والتسلية واللهو..؟
– لماذا صار الاب يتحاشى الخروج مع زوجته وابنائه واخوته، وحتى أقاربه واصدقائه جرّاء ما صار اليه شارعنا، وأغلب فضاءاتنا، وحتى وسائل النقل، من تلوث فكري وانحدار اخلاقي ماديا ومعنويا يَنْدى له الجبين..؟
في سائر البلاد العربية لا تسمع في اي ركن تقصده إلا : تفضل حضرتك..مرحبا استاذ..تدلّلْ يا عيوني.. تأمر يا طويل العمر.. وهكذا تشبع وتخجل من عسل ألسنتهم حتى يُخيل اليك أحيانا انهم خلعوا عنك ملابسك خجلا ومن حيث لا تدري، ومن فرط حسن معاملتهم وتواضعهم
.. في بلادي – وهي تكاد تكون الوحيدة- تدفن راسك بين يديك ، وتقلّب وجهك في السماء، وعبر كل الجهات من شدة فاحشة القول والفعل الفاسد جهارا نهارا ، على الأرصفة ، في الطرقات، في سيارتك.. راجلا أم راكبا، متنكرا أم حاسرا.. في كل ناحية يصفعك القبح، ، وأفظع شتائم قريش..! ا
نها ليست بظاهرة فيما أظن، بقدر ما هي جينات ورثناها منذ عهد البربر حيث قرات ذات مرة أن تواصل البرابرة في حياتهم اليومية كان بواسطة الاشارة الجسدية، أو الرسم على الارض او في الرمل والتراب وحتى الحجر، او على جذوع الاشجار، او بالوشم على الجسد.. أما حين يتخاصمون ويتشاجرون..فإنهم يشيرون الى بعضهم البعض الى مواقع حساسة في اسفل اجسادهم من الامام او من الوراء…وهكذا تطورت فينا الاشارة الى العبارة..
والله، وأهل تونس أعلم.. ولا غرابة في ذلك..فسكان تونس الأعماق والشمال الغربي – وأنا منهم – تجد قاموسهم اللغوي اكثر حدّة وجفافا وتصادما وفحشا ، أكثر من سكان الارياف والمدن التي تطل على البحر الذين تسكن ألسنتهم العبارة الهادئة اللطيفة ، والسلوك المتزن المعتدل.. ربما لأن الجبال تفعل فعل القسوة والتمرد وصعوبة التواصل مع الآخر في نفوس أولئك الذين يشبهون الغابة بكل صمتها وأريجها وطقوسها وأسرارها..وبين سكّان الساحل الذين استأنسوا الى البحر ، وخالطوا الوافدين عليهم عبر مراكب العبيد ، وتجارة الحرير والتوابل..
إن الكلمة الطيبة.. تحن إليها الجبال .. يااا سادتي..!

















