أثار مقطع فيديو يُظهر زواج مراهق يبلغ من العمر 14 عاماً في الجزائر موجة واسعة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من رأى في الأمر خرقاً لحدود الطفولة واستهتاراً بمعنى الزواج، ومن اعتبره خياراً اجتماعياً لا يرتبط بالسن بل بـ”الوعي والمسؤولية”.
فقد ظهر في الفيديو الذي جرى تداوله على نطاق واسع، والد الطفل العريس معبّراً عن سعادته بزواج ابنه، قائلاً: “أن أُزوجه وهو صغير أحسن من أن أزوجه وهو في الأربعينيات، فالعلاقة بين الأب وابنه يجب أن تكون متقاربة، وابني سيكون صديقاً لابنه”.
إلا أن تصريحات الأب أثارت عاصفة من الانتقادات، إذ اعتبر كثيرون أن الطفل لا يدرك معنى الزواج ولا مسؤولياته، وأن قرار الزواج لا ينبغي أن يُتخذ من قِبل الأولياء بل من الشخص نفسه حين يبلغ سن الرشد.
وقال أحد المعلّقين: “الزواج ليس إجراء إدارياً، بل ميثاق عمر، وهذان المراهقان لا يعرفان حتى ما يريدان من الحياة”.
في المقابل، دافع آخرون عن موقف الوالد، معتبرين أن الزواج المبكر قد يكون أكثر استقراراً من العلاقات الطويلة قبل الارتباط، مشيرين إلى أن الطلاق لا يرتبط بالسن بل بسوء الاختيار.
من جهته، رأى المختص الاجتماعي عبد الحفيظ صندوقي أن ظاهرة الزواج المبكر لا يمكن فهمها بمعزل عن التحولات الاجتماعية التي شهدها المجتمع الجزائري خلال العقود الأخيرة. وقال للعربية.نت/الحدث.نت “خلافاً لما يُروَّج عن أن تأخّر الزواج سببه الظروف الاقتصادية فقط، فإن تغيّر القيم والعادات والتطلعات بين الأجيال لعب دوراً كبيراً في ذلك”.
كما أوضح صندوقي أن الزواج في السابق كان يتم بتوافق عائلي وثقافي وديني متقارب، ما ساهم في استقرار الأسر رغم بساطة الإمكانات، في حين أن اختلاف الميول والتوجهات اليوم، إلى جانب ضعف الثقافة الزوجية والاجتماعية لدى الشباب، يجعل الانفصال أكثر احتمالاً. وتابع قائلا: “لا يهم سن الزواج بقدر ما يهم وعي المتزوجين ومسؤوليتهما. أغلب حالات الطلاق التي نسجلها اليوم تقع لأسباب بسيطة وسوء تفاهم حول أمور حياتية كان يمكن تجاوزها بالتفاهم المسبق”.
من جانبه، أوضح المحامي فريد صابري أن معدل سن الزواج في الجزائر شهد تغيّراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، قائلاً: “المعدّل لدى الإناث بلغ 27 عاماً، ولدى الذكور 34 عاماً، وفقاً لإحصاءات اللجنة الوطنية للسكان، التي تشير أيضاً إلى تراجع معدلات الولادة”.
وأضاف أن عدد المواليد انخفض من مليون سنوياً إلى نحو 800 ألف ولادة فقط، في وقت ارتفع فيه عدد كبار السن (فوق 60 عاماً) إلى 11.3% من السكان عام 2025، مقابل 10.5% عام 2024.
كما أشار إلى أن هذه التحوّلات السكانية والاجتماعية تنعكس على بنية الأسرة الجزائرية، إذ تراجعت الزيجات المبكرة بشكل كبير، في حين بلغت حالات الطلاق السنوية نحو 86 ألفاً، ما يعكس – حسب قوله – أزمة في الثقافة الزوجية أكثر من كونها أزمة اقتصادية.
علماً أن القانون الجزائري يحدد السن الأدنى للزواج بـ19 عاماً، لكن يمكن للمحاكم إصدار تراخيص استثنائية في “حالات مبررة”، وغالباً ما تُمنح هذه التراخيص في المناطق الريفية أو ضمن الأعراف المحلية.
غير أن مقطع الفيديو الأخير أعاد إلى الواجهة النقاش حول مدى التزام المجتمع بتلك الضوابط القانونية، خاصة في ظل وجود بعض الأسر التي ترى في الزواج المبكر “سترة” أو “حماية” لأبنائها، فيما يعتبره آخرون شكلاً من استغلال الطفولة تحت غطاء العادات والتقاليد.
وبينما يستمر الجدل بين المؤيدين والمعارضين، يرى مختصون أن هذه الظاهرة تكشف فجوة جيلية وثقافية عميقة في المجتمع الجزائري بين من يتمسك بالموروث التقليدي، ومن يدعو إلى إصلاح قانون الأسرة بما يضمن حماية القاصرين من الزواج المبكر.
ويبقى النقاش، كما يقول صندوقي، “مفتوحاً بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية”، في انتظار حسمه على مستوى الوعي الجماعي قبل القوانين.
العربية
