فيما يلي نص الكلمة المسجلة التي توجه بها رئيس الجمهورية […]
فيما يلي نص الكلمة المسجلة التي توجه بها رئيس الجمهورية قيس سعيد صباح اليوم إلى المشاركين في حفل تكريم المتوجين بجائزة الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الدولية للتميز في مكافحة الفساد الذي أقيم اليوم بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة:
“بسم الله الرّحمن الرّحــــــيم
والحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
تحيّة خالصة للجميع، والشّكر الموصول لكل من ساهم في هذا الاجتماع حتّى وإن كان بعيدا، وخالص الامتنان لكل من هو عازم على مقاومة الفساد عزمًا صادقًا ومستمرًا وشديدًا ومفيدًا.
كان من المفترض أن أكون بينكم اليوم ولكن حالت بيني وبين الحضور المباشر معكم التزامات ومواعيد متلاحقة وكثيرة. ولكنّني معكم، وسأعمل على متابعة أعمالكم وما ستتوصّلون إليه من نتائج وتوصيات.
أشكر في البداية مجدّدا كل المنظّمين على الجهود المضنية التي بذلوها من أجل تنظيم هذا اللّقاء وأتمنى أن تتبلور أفكار جديدة لوسائل جديدة لمقاومة الفساد ولمقاومة المفسدين.
للأسف الشّديد مازالت هذه الظاهرة مستمرة، تنخر مؤسسات الدّول والمجتمعات في العديد من مناطق العالم، بل وتزيد استشراءً يومًا بعد يوم.
لقد عمَّ الفساد الكثير من الدول، بل إن شبكات الفساد مرتبطة بعضها ببعض في عديد أنحاء العالم. وُضعت النّصوص وتعدّدت المؤسسات، ولكن لم تحقّق في الكثير من الحالات الأهداف التي أُنشئت من أجلها، لم تحقّق مقاصدها النبيلة.
ولعلّه من الواجب اليوم في هذا الإطار البحث عن مقاربة جديدة مختلفة عن المقاربات السّابقة التي لم تحقّق الهدف المطلوب والمقصد المنشود. هذه المقاربة لا يجب أن تقف عند النصوص فحسب، بل يجب أن تقوم على مقاومة الأسباب الحقيقيّة التي جعلت هذه الظاهرة تنتشر، بل تعربد في عديد المجتمعات والدول.
ومن الأسباب في هذا الانتشار الكبير، هو توزيع الثروات توزيعا غير عادل وهكذا في ظلّ غياب العدل والإنصاف، تتحول بعض الوظائف داخل الدّولة إلى بضاعة تجارية تتقاذفها قوى الشرّ كأنها أسهم في أسواق مالية، تنخفض أحيانا وتصعد في أكثر الأحيان. ولا مجال للحدّ من انتشار الفساد إلا بضمان كرامة الجميع والعدل والإنصاف داخل الدول وبين الدول. كما لا مجال لمقاومة الفساد إلا بقضاءٍ ناجزٍ ومستقلٍ، فبدونه لا يمكن لأحد أن يفرض احترام القانون. وإذا تسلّلت السياسة وتسلّل الفساد إلى قصور العدالة فإنّ العدالة تخرج من تلك القصور.
قال تعالى، وهو أصدق القائلين: “ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون.” ويتّفق الفقهاء كلّهم على أنّ الفساد هو سوء الحال وهو ضد الصّلاح. فاللّهُمَّ سَدِّد خطانا على طريق العدل والصلاح واجعلنا صالحين مهتدين مصلحين.
ولا شكّ أنّ الصّلاح ومقاومة الفساد لن يكونا حقيقيّين إلا بمقاومة أسبابه وبالمساواة بين الجميع. ولن يتمّ الحدّ من هذه الظاهرة إلى بمقاومتها من فوق إلى أسفل كمن يريد تنظيف درجٍ، فإنه ينطلق بسكب الماء من أعلى إلى أسفل، لا من أسفل إلى أعلى.
فإنّ الجُرْحَ، كما يقول المتنبي، يَنْفِرُ بَعدَ حينٍ إذا كانَ البِناءُ على فَسادِ،
وإنّ المَاءَ يَجْري مِنْ جَمادٍ وإنّ النّارَ تَخْرُجُ من زِنَادِ.
وفّقنا الله وإيّاكم على طريق الحقّ وعلى طريق الصّلاح والإصلاح.
والسّلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته”













