عائد من الصين (3)/ شانغهاي.. مدينة الأفيون التي دوّخت العالم
وطنية:
في بحر حديثه عن عدد سكان مدينة شانغهاي -ثالث اكبر مدينة صينية-والذي يرتفع الى 25 مليون نسمة سألنا الدليل السياحي عن عدد سكان تونس فأجبته 12 مليون نسمة، لم يعتقد البتة ان الرقم يتعلق بكل سكان البلاد ولما تبيّن ذلك أصيب بذهول دام لأكثر من دقيقة قبل ان يهوي على مقعد الحافلة منفجرا ضحكا.
شانغهاي- تونس الان/ كتب حافظ الغريبي
في بحر حديثه عن عدد سكان مدينة شانغهاي -ثالث اكبر مدينة صينية-والذي يرتفع الى 25 مليون نسمة سألنا الدليل السياحي عن عدد سكان تونس فأجبته 12 مليون نسمة، لم يعتقد البتة ان الرقم يتعلق بكل سكان البلاد ولما تبيّن ذلك أصيب بذهول دام لأكثر من دقيقة قبل ان يهوي على مقعد الحافلة منفجرا ضحكا.
قد لا تستغرب ردة فعله في دولة كدولة الصين الشعبية ذات المليار و400 مليون نسمة، لكن المثير هو كيف تحولت شانغهاي تلك القرية البسيطة الى مدينة عملاقة وكيف تحوّل الطين الذي يكسو المنطقة الى أبراج عملاقة تزينها.
انها قصة نجاح لمدينة كانت القوى العظمى تتنازع عليها للسيطرة على تجارة الافيون لتتحول اليوم الى احد اكبر المراكز المالية في العالم. وحتى بلديتها التي تتبع السلطة المركزية ضمن اربع بلديات في الصين منها بيكين وتشونغتشينغ قررت التخلي عن الصناعات الملوثة شيئا فشيئا لتحوّلها الى مدينة ذكية تستثمر في الذكاء الاصطناعي والأبحاث التقنية والعلمية بحيث لا يكاد يمر يوم الا وتسجل فيه عدة براعات اختراع جديدة.
وشانغهاي بالصينية او شنغاي للفرانكونيين مثلنا تتميز بسكان جد منفتحين على العالم لكثرة عدد الأجانب المقيمين والزوار، وهي كغيرها من المدن الضخمة الصينية توافق بين الحضارة والاصالة فكل ما يمثل عراقة وتاريخ المدينة يحظى باهتمام خاص من ذلك البيت الواقع بالحي الفرنسي والذي شهد تأسيس الحزب الشيوعي الصيني بحضور زعاماته ومن ضمنهم ماو توسي تنغ والذي يعدّ قبلة للزوار الأجانب والمحليين وخصوصا منهم أعضاء الحزب الشيوعي الصيني الذين يأتون اليه بالآلاف يوميا.
وتتميز شانغهاي ببرجها العظيم المصنف ثالثا عالميا من حيث الطول -رغم اقتناع السكان المحليين بأن الأبراج التي شيدت بعده تحايلت بوضع هوائي عمودي ضخم- لكن يكفيهم فخرا انهم يملكون داخلها اسرع مصعد في العالم اذ يقطع مسافة 556 مترا في دقيقة واحدة وتبلغ ذروة سرعته 15 مترا في الثانية الواحدة.
يقع البرج في الحي المالي بودونغ والذي يضم الاف ناطاحات السحاب، علما انه توجد بشانغهاي ما لا يقل عن 5 الاف ناطحة سحاب، وللبرج شكل هندسي لولبي يسحر الأنظار وبه 121 طابقا و106 مصعدا وقد استمر بناؤه 6 سنوات بتكلفة قاربت الـ2.2 مليار دولار ليكون شاهدا على نهضة المدينة وقدرة الصين الشعبية على صنع الفارق على كل المستويات.
والحديث عن الصين الشعبية يقودنا الى تطور السياحة بها اذ توفر سنويا 80 مليار دولار لكن سياحتها تقوم بالأساس على السياح الصينيين الذين اعتادوا اكتشاف بلادهم سيما بعد تحسن الدخل الفردي الذي بات يسمح لهم بالسفر والاكتشاف صغارا وكبارا، وخصوصا المتقاعدين منهم الذي يمكّنهم معاشهم الذي لا يقل الثلاثة الاف دينار تونسية من التمتع بالراحة المستحقة بعد عقود من العمل اليومي مدة 10 ساعات او اكثر.
فبالعمل وحده نجحت الصين في صنع الفارق بينها وبين الدول المتحضرة، وبالعمل وحده أمكن للأجيال الحالية من جني ثمار شقاء الأجيال السابقة، فهنيئا لهم بتقدمهم وبتمسكهم بثوابتهم وأملنا ان تحدو كل الدول على نفس المنوال.